الفائز بجائزة المصطفى 2019
أستاذ علم المناعة بجامعة ماينتس، ألمانيا
سنة الميلاد: 1965
الجنسية: تركيا
الإنجاز: التصميم والتقييم السريري للقاحات العلاجية للسرطان المرتكزة
على RNAMعلى أساس التغيرات عند كل مريض
مجال الجائزة: العلم والتكنولوجيا الحيوية والطبية
القتال في وادي الموت
هناك حاجة إلى سلاح بنفس التعقيد على الأقل لمحاربة مرض معقد مثل السرطان.
منذ وقت ليس ببعيد، حدث نقاش في وسائل الإعلام حول ما إذا كان الطبيب العالم هو نوع مهدد بالانقراض أو نوع جديد يتطور من خلال التهجين. الطبيب-العالم كجسر فعال بين هذين العالمين، هو الطبيب الذي يقوم بإجراء بحث علمي أساسي من أجل حل المشكلات السريرية.
أهمية هذا النوع من البحوث في الطب ليست أكاديمية فقط. يقوم الأطباء العلماء نوعاً ما "بترجمة" لغة الأطباء العلاجيين إلى لغة علماء الأبحاث، والعكس صحيح. على هذا النحو، فإنهم يلعبون دوراً حاسماً في ما يسمى بالترجمة أو تطبيق العلوم الطبية، حيث يشار أحياناً إلى طاولة (المختبر) بسرير (العيادة) أيضاً.
إذا كان من المفترض أن الطبيب ملزم ببذل كل ما في وسعه لإنقاذ مريضه، فقد لا يكون كافياً الطلب في بعض الأحيان من القائمة ووصف الأدوية الموجودة واستخدام الأدوات التي تم إعدادها بالفعل؛ لربما تطلب الأمر أحياناً من الطبيب العودة إلى المختبر وإجراء البحوث الطبية الحيوية الأساسية للعثور على دواء جديد أو لاختراع أداة سريرية فعالة.
وادي الموت
هل من الممكن أن يكون العالم البارز طبيباً بارزاً أيضاً؟ حسناً، نعم، لكن هذا ليس شيئاً نراه كل يوم. في الوقت الحالي، هنالك نقص مزمن وشديد وحتى متزايد من الأطباء العلماء على مستوى العالم. لا يوجد في أمريكا سوى 2 في المائة فقط من مجموع الأطباء مؤهلون للحصول على هذا اللقب. وفقاً لآغور شاهين أستاذ في تطبيقات أمراض السرطان وعلم المناعة والمدير التنفيذي للعلوم والبحوث في معهد أبحاث الصيدلة البيئية "تطبيقات أمراض السرطان" (TRON)، "التطبيق في هذا المعنى لا يدرس في أي برنامج أكاديمي، ولكنه شيء ينبغي تعلمه عبر المشاركة في مجموعات البحث متعددة الاختصاصات".
تأسس معهد أبحاث TRON في عام 2010 برأسمال أولي قدره 30 مليون يورو، ويقع في مبنى أبحاث جديد في حرم المركز الطبي لجامعة يوهان غوتنبرغ في مدينة ماينتس في ألمانيا. كما هو مذكور في موقع الويب الخاص بهذا المعهد فإن TRON "يبحث في طرق تشخيصية وأدوية جديدة لعلاج السرطان وغيره من الأمراض الخطيرة." وتتمثل مهمته في تنفيذ الأفكار الإبداعية وإيجاد حلول عملية للتحديات وتطبيق النتائج العلمية وترجمتها إلى علاج سريري.
تطبيقات العلوم الطبية هي نهج متعدد التخصصات وتتطلب تخصصات متداخلة. العلماء - الأطباء رسمياً قد تدربوا ليكونوا كطبيب معالج وباحث علمي أيضاً؛ وبالتالي لديهم شهادة طبية كما لديهم شهادة دكتوراه تكون عادة في العلوم البيولوجية. إن الاختلاف الأكثر أهمية بين الطبيب العالم والباحث الطبي الحيوي العادي هو التجربة الفورية والمباشرة التي يتمتع بها الطبيب-العالم في العمل مع المرضى ويمكنه استخدامها لتوجيه البحوث في المختبر.
ومع ذلك، لا يحدث عمله الجماعي من تلقاء ذاته. وكما يقال: "من السهل جمع لاعبين جيدين، ولكن من الصعب حملهم على اللعب معاً". ووفقاً لشاهين: "إن إنشاء فريق من العلماء متعددي التخصصات ليس تحدياً سهلاً لأن الأمر يستغرق وقتاً لتتمكن مثل هذه المجموعة المتنوعة العمل معاً بسلاسة".
يحاول معهد أبحاث TRON أن يوضح سبب اختلاف هذا النهج الجديد اختلافاً جذرياً عن النهج التقليدي: "تخضع منذ القدم صناعة المستحضرات الصيدلانية من اكتشافات البحوث الأساسية لاختبارات سريرية. لكن التطورات الأخيرة قد أحدثت تغييرات ملحوظة في هذه العملية. ونتيجة لذلك، فإن النهج التقليدي في قسمي البحوث الأساسية والسريرية قد انفصلت عن بعضها وتسمى الفجوة الناتجة في البحوث التطبيقية بـ "وادي الموت".
واحد من أبشع الشياطين الذين يعيشون في "وادي الموت" هذا هو بلا شك السرطان. وفقاً لشاهين: "لم يتغير علاج بعض أنواع السرطان كثيراً في العقود القليلة الماضية ويجب إيجاد حل سريري جديد في أقرب وقت ممكن". هناك مجموعتان بحثيتان نشطتان في معهد أبحاث TRON ، وكلاهما يبحث في أساليب مستقبلية لعلاج السرطان، ولكن بطرق مختلفة: "مركز صناعة المؤشرات الحيوية" الذي يضع مؤشرات حيوية سريرية أو مؤشرات حالة لأنواع السرطان، و "مركز العلاج المناعي" الذي يسعى إلى معالجة السرطان بمساعدة نظام المناعة عند الإنسان.
فكرة سخيفة
كان استخدام الجهاز المناعي لمحاربة السرطان، أو العلاج المناعي للسرطان يعتبر فكرة حمقاء منذ البداية. خطر في ذهن شاهين وزوجته أوزلم تورتشي، المولودان لعائلات تركية مهاجرة في ألمانيا، فكرة لقاح للسرطان في أوائل التسعينيات عندما كانا طالبي طب في جامعة يوهانس غوتنبرغ في ماينتس.
يقول شاهين: "هذه حاجة طبية ملحة للغاية. يموت حوالي 10 ملايين مريض بالسرطان كل عام. يركز بحثي على العلاج المناعي. نحن نعمل على تطوير علاجات للسرطان مثل اللقاحات والأجسام المضادة لتوعية وتقوية الجهاز المناعي للمريض لمهاجمة الخلايا السرطانية".
منطق العمل بسيط: لا يوجد مريضان لهما نفس الطفرات الوراثية في خلايا السرطان المصابان به، لذا يجب أن يكون علاج كل مريض شخصياً خاص به. والجهاز المناعي في الجسم هو الجهاز الوحيد الذي يستطيع التكيف. لذلك، يجب استخدام هذا الجهاز المناعي في الدفاع عنه. هل حلت المشكلة!.
للأسف، فإن ترجمة هذه الفكرة إلى واقع واستخدام جهاز المناعة لمكافحة السرطان هو عملياً ليس بالأمر السهل. قبل ثلاثة عقود، وجدت معظم شركات الأدوية فكرة تطوير لقاح ضد السرطان سخيفة ورفضت حتى التفكير في مفاهيم العلاج المناعي.
يقول شاهين، الفائز بجائزة المصطفى 2019 عن "تطوير والاختبار السريري للقاح علاج السرطان بناء على RNA عند كل مريض نظراً إلى طفراته" أن: أبحاثي تدور حول تقوية نظام المناعة لدى المريض لمكافحة السرطان وغيره من الأمراض".
يوضح شاهين أن التحدي الأكبر الذي يواجه علاج السرطان هو أن كل مريض يعاني من نوع مختلف من السرطان. حتى عند المريض الواحد، هنالك مليارات الخلايا السرطانية أيضاً تختلف عن بعضها البعض. تتجاهل الطريقة الحالية لعلاج السرطان هذا التحدي. لهذا السبب يستجيب 20 إلى 30 بالمائة فقط من مرضى السرطان للعلاج.
ويقول: "السؤال الأساسي في أبحاثي هو كيف يمكن اختراع علاجات السرطان لمواجهة هذا التحدي والرد عليه. لقد أدت أبحاثي إلى اختراع العلاج المناعي للسرطان بطريقة مخصصة لكل شخص. أي أننا نحلل سرطان كل مريض على حدة، ونحدد السمات الفريدة لسرطان ذلك المريض، وفي النهاية نصنع لقاح يناسب ذلك الشخص. بمعنى آخر، كل فرد يتلقى معالجة خاصة به".
نحتاج في بناء مناعة ضد السرطان إلى توجيه نوع من الخلايا اللمفاوية تسمى الخلية التائية T التي تلعب دوراً حيوياً في الاستجابة المناعية لتهاجم البروتينات على سطح الخلايا السرطانية التي تظهر عن طريق الطفرات الجينية. في حين يكون تشخيص هذه الطفرات من قبل الجهاز المناعي متأخر جداً وغير كافي.
الحل العبقري لشاهين وفريقه هو لقاحات شخصية تدرب الخلايا التائية T في الجسم على مهاجمة الأورام السرطانية. يستخدمون ناقلات RNA ويقومون بترميزها بطريقة لتحتوي على جميع المعلومات اللازمة للخلايا التائية وإخبارهم بنوع البروتينات التي يجب انتاجها. ناقلات RNA المهندسة تمنحها إمكانية تحديد البروتينات الطافرة الفريدة على سطح الخلايا السرطانية للشخص وتعبئة الاستجابة المناعية للشخص في مواجهة طيف من الطفرات السرطانية.
ومع ذلك، لا تعمل هذه الطريقة إلا في حالة وجود طفرة معينة غير موجودة في أي مكان آخر في الجسم. تم تسهيل وتسريع عملية العثور على الطفرات وإدخالها في ناقلات RNA بواسطة تقنيات حساب كمبيوترية وتسلسل جيني أكثر سرعة.
الروح القتالية
في عام 2017، نشرت مجلة الطبيعة مقالتين مثيرتين تثبتان فعالية هذه الطريقة العلاجية. طبقت كلتا الدراستين هذه الطريقة لأول مرة على البشر. أحدها في شركةBioNTech للتكنولوجيا الحيوية، وهي شركة رائدة في مجال العلاج المناعي الشخصي وقد تأسست عام 2008 ورئيسها التنفيذي هو آغور شاهين. أظهر شاهين وغيره من مؤلفي هذه المقالة أن اللقاح كان قادراً على وقف انتشار سرطان الجلد في خمسة مرضى وتقليص أورامهم.
كتبوا في هذه المقالة: "يثبت بحثنا أنه يمكن استخدام الطفرات الفردية وبالتالي تمهيد الطريق أمام العلاج المناعي الشخصي لمرضى السرطان. يبدو أن العلاج المناعي وتطوير اللقاحات للسرطان المرتكز على ناقلات RNA قد وصل إلى مرحلة الاستخدام السريري: وهو النموذج الحقيقي على فعالية أبحاث من المكتب إلى السرير.
في العامين الماضيين، أبدت العديد من شركات الأدوية اهتماماً بالاستثمار في هذه الطريقة الجديدة لنقل المعلومات الوراثية ومجموعة من الأدوية الجديدة التي يمكن أن تعطي نتائجاً. لكن لم يتم بعد إثبات فعالية لقاح السرطان، وقد أثبتت العديد من هذه الجهود في الماضي أن مصيرها ليس سوى تحولها إلى شرارة من الأمل وإضافة إلى قائمة طويلة من المحاولات اللامتناهية. ومع ذلك، هناك حاجة إلى سلاح بنفس التعقيد على الأقل لمحاربة مرض معقد، وبالطبع إلى روح قتالية.